08-21-2014, 09:42 PM | #1 |
مالك الموقع
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,560
|
الطّفيل بن عمرو الدّوسي
- لاتنزِلُ له قِدر عن نار ، ولا يُوصَدُ له باب أمامَ طارق ... يُطعِمُ الجائِعَ ، ويُؤمِّنُ الخائِفَ ، ويُجيرُ المُستَجيرَ. - وهو إلى ذلكَ أديبٌ أريبٌ لبيبٌ - أريب لبيب: ذكي فطن - ، وشاعرٌ مُرهَفُ الحِسِّ ، رقيقُ الشُعور ، بصيرٌ بحلو البيانِ ومُرِّهِ ... حيث تفعلُ فيع الكَلِمةُ فِعلَ السِّحر. * * * - غادر الطفيلُ منازِل قومِهِ في تهامة متوجهاً إلى مكَّة ، ورَحَى الصِّراع دائرةٌ بين الرسولِ الكريمِ صَلواتُ الله عليه وكُفّار قُريشٍ ، كُلٌّ يُريد أن يكسب لنفسِه الأنصار ، ويجتذِب لحِزبِه الأعوان ...فالرسُولُ صلواتُ الله وسلامُه عليه يدعو لربِّه وسِلاحُه الإيمانُ والحق ، وكُفارُ قُريشٍ يقاومون دعوتَه بِكلِّ سلاحٍ ، ويصُدُّون الناس عنه بكلِّ وسيلةٍ.- ووجد الطفيلُ نفسَهُ يدخُلُ في هذه المعركة غير أُهبةٍ ، ويخوضُ غِمارها عن غيرِ قَصدٍ .... فَهو لم يقدَم إلى مكة لهذا الغرضِ ، ولا خَطر له أمرُ محمدٍ وقُريش قبل ذلك على بال. ومن هنا كانت للطُفيل بن عمرو الّدوسي مع هذا الصراع حِكاية لا تُنسى ؛ فلنستمِع إليها فإنها من غرائب القصص. - حدّث الطُفيل قال: قدِمتُ مكّة ، فما إن رآني سادة قُريش حتى أقبلوا علي فرحبوا بي أكرم ترحيبٍ ، وأنزلوني فيهم أعز منزل. - ثمّ اجتمع إلىّ سادتهُم وكبرائهم وقالوا: ياطفيلُ ، إنّك قد قدمت بلادنا وهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي قد افسد أمرنا ومزّق شملنا ، وشتّت جماعتنا ، ونحن إنما نخشى أن يَحل بك وبزعامتك في قومك ماقد حلَ بِنا ، فلا تُكَلِّم الرجل ، ولا تسمعنّ منه شيئا فإن له قولاً كالسحر ، يفرق بين الولد وأبيه ، وبين الأخ وأخيه ، وبين الزوجة وزوجها. * * * - قال الطفيل: فوالله مازالو بي يقصٌّون عليَّ من غرائب أخباره ويخوفونني على نفسي وقومي بعجائب أفعاله حتى أجمعت أمري على ألا أقترِبَ منه ، وألا أكلمه أو أسمع منه شيئاً.ولمّا غدوتُ إلى المسجد للطواف بالكعبة ، والتبرك بأصنامها التي كنا إليها نحُجُّ وإياها نعظِّم ، حشوت في أذني قطناً خوفا من أن يلامس سمعي شيء من قول محمد. - لكنت ما إن دخلت المسجِد حتى وجدته قائما يصلي عند الكعبة صلاة غيرَ صلاتنا ، ويتعبد عبادة غير عبادتناً ، فأسرني منظره ، وهزتني عبادته ، ووجدت نفسي أدنو منه ، شيئا فشيئا على غير قصد مني حتى أصبحت قريبا منه.... وأبى والله إلا أن يصل إلى سمعي بعض مما يقول ، فسمعت كلاما حسناَ ، وقلت في نفسي: ثُكِلَتكَ أُمّك يا طُفيل ... إنّك لرجلٌ لبيب شاعر ، وما يخفى عليك الحَسنُ من القبيحِ ، فما يمنعك أن تسمعَ من الرجلِ مايقولُ ... فإن كان الذي يأتي به حسناً ، وإن كان قبيحا تركته. - قال الطفيل: ثم مكثت حتى انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيته ، فتبعته حتى إذا دخل داره دخلت عليه ، فقلت: يامحمّد ، إن قومَك قد قالو لي عنك كذا وكذا وكذا ، فوالله مابِرحوا يخوفونني من أمرك حتّى سددتُ أذُنيّ بقُطنٍ لِئلا أسمع قولك ، ثم أبى الله إلا أن يسمعني شيئا منه ، فوجدته حسناً فاعرض عليّ أمرَك. فَعَرَض عليّ أمره ، وقرأ لي سورةَ الإِخلاصِ والفلق ، فوالله ما سمِعتُ قولاَ أحسن من قولِه ، ولا رأيتُ أمراً أعدَل من أمره. عِندَ ذلك بسطتُ يدي له ، وشَهِدتُ أن لا إله إلا الله وأنَّ مُحمّداً رسولُ الله ، ودخَلتُ في الإسلام. * * * - قال الطفيل ثم أقمت في مكّة زمناً تعلّمت فيه أُمور الإسلام وحفِظتُ فيهِ ماتيسر من القرآنِ ، ولما عزمت على العودة إلى قومي قُلت: يارسولَ الله إني امرؤٌ مُطاعٌ في عشيرتي ، وأنا راجِعٌ إليهم وداعيهم إلى الإسلام ، فادعُ الله أن يجعَل لي آيةً تكون عوناً فيما أدعوهم إليه فقال عليه الصلاة والسلام: ( اللّهُمّ اجعل له آية ).- فخرجت إلى قومي حتى إذا كنت في موضعٍ مشرفٍ على منازلِهم وقَع نورٌ فيما بين عيني مِثلٌ المِصباح ، فقُلت: اللّهُم اجعله في غير وجهي ، فإني أخشى أن يظُنُّوا أنّه عقوبة وقعت في وجهي لمفارَقَةِ دينهم .... فتحوّل النور فوقع في رأس سَوطِي ( السوط: مايضرب به من جِلدٍ مضفورٍ ونحوه ) كالقنديلِ المُعَلّق ، وأنا أهبطُ إليهم من الثنِيّة ( الثنية: العَقبَة ) ، فلما نزلتُ أتاني أبي - وكان شيخا كبيرا - فقلت: إليك عني يا أبتَ ، فلستُ منك ولست مني. قال: ولِم يابُنيَّ ؟! قلت: لقد أسلمت وتابعت دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم. قال: أي بُنيَّ ديني دينُك ،فقلت: اذهب واغتَسِل وطَهِّر ثيابَك ، ثُمّ تعالَ أُعلّمك ماعُلّمتُ. فذهب فاغتَسلَ وطهّرَ ثِيابَه ، ثُمّ جاء فعرضتُ عليهِ الإسلام فأسلم. ثُمّ جاءت زوجتي ، فقلت: إليكِ عنّي فلستُ منك ولستِ منِّي . قالت: ولِمَ !! بأبي أنتَ وأُمِّي ، فقلت: فرَّق بيني وبينك الإسلامُ ، فقد أسلمت وتابعت دين محمدٍ صلى الله عليه وسلم. قالت: فديني دينُك ، قلت: فاذهبي وتطهري من ماءِ ذي الشَّرى - وذو الشَّرى صنمٌ لدَوسِ حولَهُ ماءٌ يهبِط من الجبل - فقالت: بأبي أنت وأُمِّي أتخشَى على الصِِّبْيَةِ شيْئاً مِن ذي الشَّرى ؟! فقلت: تباً لكِ ولذي الشَّرى ... قُلتُ لكِ اذهَبي واغتسلي هناك بعيداً عن النـاس ، وأنا ضامنٌ لكِ ألاَّ يفعل هذا الحجرُ الأصمُّ شيئاً. فذَهبَتْ فاغتَسلتْ ، ثُمّ جاءت فعرضْتُ عليها الإسلام فأسـلمت. ثم دعوتُ دوساً فأبطؤوا عليّ إلأ أبا هُريرَة فقد كان أسَرَعَ النَّـاس إسلاماً. * * * - قال الطفيلُ: فجِئتُ رسول الله صلى الله عليه وسلّم بمكَّة ، ومعي أبو هريرة فقال لي النّبي عليه الصلاة والسلام : ( ماوراءك يا طفيلُ ؟ ).فقلت: قلوبٌ أكِنّة ( أكنّة: ستور تمنعُها من رؤية الحق ) وكفر شديد ... لقد غلَب على دوسٍ الفُسوق والعِصيـان .... - فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فتوضأ وصلّى ورفع يده إلى السمـاء ، قال أبو هريرة لما رأيته كذلك خفتُ أن يدعوَ على قومي فيهلكوا ... فقلت: واقوماه ... لكن الرسول صلوات الله عليه جعل يقول: ( اللَّهُمَّ اهْدِ دوساً ... اللَّهُمَّ اهْدِ دوساً ... اللَّهُمَّ اهْدِ دوساً ...). ثم التفت إلى الطفيل وقال: ( ارجع إلى قومك وارفق بهم وادعُهُم إلى الإسلام ). قال الطفيلُ: فلم أزل بأرضِ دوس أدعوهم إلى الإسلام حتى هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى المدينة ، ومَضَت بدْرٌ وأُحدٌ والخنْدَق ، فقدمت على النبي ومعي ثمانون بيتا من دوْسِ أسلموا وحسنَ إسلامُهُم فسُرّ بِنـا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأسهم لنا مع المسلمين في غنائِم خَيْبرَ فقلنا: يارسول الله: اجعلنا مَيمنتَك في كلّ غزوةٍ تغزوها واجعل شعارنـا (( مَبْرُور )) . - قال الطفيل: ثم لم أزل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتّى فتحَ الله عليه مكَّة فقُلت: يارسول الله ، ابعثني إلى (( ذي الكفَين )) صنَمِ عمرو بن حـمَـمَةَ حتّى أحرِقٌه ... فأذن له النبي عليه الصلاة والسلام ، فسار إلى الصّتم في سريّة من قومه.. فلمـا بلَغَه ، وهَمّ بإحراقِه اجتمع حولَه النـسـاء والرِجال والأطـفـال يتربّصون به الشَّر ، وينتظرون أن تصعقه صاعـقة إن هُو نـال ((ذا الكفين )) بضُرٍّ. لكنّ الطفيل أقبل على الصنم على مَشْهَدٍ من عُبَّادِه ... وجعل يُضرم النار في فُؤاده ... وهو يرتَجِز: يــا ذا الكفين لست من عُبَّــأدكـــا مــيلادُنـــا أقــدمُ مِن ميــلادِكـــا إنِّي حــشَوْتُ الــنـــار في فُؤادكـــا وما أن التهمت النار الصنم حّتى التَهمت معها ماتبقّى من الشِّرك في دَوس ؛ فأسلم القوم جميعا وحسن إسلامهم.* * * - ظلَّ الطفيلُ بن عمرو الدوسيُّ بعد ذلك ملازمـا لرسول الله صلوات الله عليه ، حتّى قُبِض النبي إلى جـوار ربِّـه.ولما نَشبت حروب الرّدّةِ نفر الطفيل في طليعة جيش المُسلِمين لحرْبِ مُسيلمة الكّذاب وعمه ابنه عمرو. وفيمـا هو في طريقه إلى الـيمامة رأى رُؤيـا ، فقال لأصحابـه: إنّي رأيتُ رؤيـا فَعبِّروها لي. فقالوا: ومارأيت ؟ قال: رأيت أن رأسي قد حُلِق ، وأنّ طائراً قد خرجَ من فمي ، وأن امرأة أدخلتني في بطنها ، وأن ابني عمراً جعل يطلُبُني حثيثاً لكنّهُ حيل بيني وبينه. فقالوا: خيراً .... فقال: أما أنا –والله – لقد أوّلتُهـا: أما حلْقُ رأسي فذلك أن يُقطَعُ ... وأما الطائر الذي خرج من فمي فهو روحي ... وأما المرأة التي أدخلتني في بطنها فهي الأرض تُحفَرُ لي فأُدفَنُ في جوفِهـا .. وإنِّي لأرجو أن أُقتَل شهِيداً. وأما طلبُ ابني لي فيعني أنّه يطلُب الشَّهـادة التي سأحظَى بها إذا أذن الله لكنَّه يدركُها فيمـا بعد. * * * - وفي معركة اليمامة أبلى الصُحـابيُّ الجليلُ الطفيلُ ابنُ عمرو الدوسيُّ أعظَم البلاءً ، حتّى خرّ صريعا شهيـدا على أرض المعركة.وأما ابنه عمرو فما زال يُقاتِل حتّى أثْخَنتْه الجِراحُ - أثخنته أي أضعفته وأوهنت قواه – وقُطِعَت يدُه اليُمنى فعـاد إلى المدينة مخلفاً على أرضِ اليمامةِ أباهُ وَ يدَه. * * * - وفي خلافة عمر بن الخطّاب ، دخل عليه عمرو بن الطفيل ، فأُتِىَ للفاروق بطعام ، والناس جلوسٌ عنده ، فدعا القوم إلى طعامِه ، فتنحَّى عمرو عنـه ، فقال له الفـاروق: مالك ؟! لعلّك تأخرت عن الطعـام خجَلاً من يدِك ..قال: أجل يا أمير المؤمنين. قال: والله لا أذوق هذا الطعام حتى تخلِطَه بِيدِك المقطوعة ... والله ما في القوم أحدٌ بعضُه في الجنّة إلا أنتَ ، يُريدُ بذلك يدِه. * * * - ظلّ حلم الشهادة يلُوحُ ( يلوح: يتراءى ) لعمرو ومنذ فارق أباه ، فلما كانت معركة اليرموك بادر إليها عمرو مع المُبادِرين ومازال يقاتل حتى أدرك الشهادة التي منَّاه بها أبوه.* * * - رحِم الله الطفيل بن عمرو الدوسيّ ؛ فهو الشهيد وأبو الشهيد.
__________________
لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 ) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
عمرو بن الجموح | اللحالي | صور من حياة الصحابه | 1 | 10-07-2014 04:55 AM |