إضافة رد
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 05-14-2015, 06:52 PM   #1
اللحالي
مالك الموقع
 
الصورة الرمزية اللحالي
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,506

اوسمتي

افتراضي زيد بن ثابت

نحن فى السنة الثانية للهجرة .. ومدينة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ؛ تستعد لبدر. والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يلقى النظرات الأخيرة على أول جيش يتحرك تحت قيادته للجهاد فى سبيل الله ، وتثبيت كلمته فى الأرض. وهنا أقبل على الصفوف غلام صغير لم يتم الثالثة عشرة من عمره ، يتوهج ذكاء وفطنة وفى يده سيف يساويه فى الطول أو يزيد عنه قليلا ، ودنا من رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وقال : جعلت فداك يا رسول الله ، ائذن لى أن أكون معك وأجاهد أعداء الله تحت رايتك. فنظر إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم نظرة سرور وإعجاب ، وربت على كتفه برفق وود ، وطيب خاطره ، وصرفه لصغر سنه. عاد الغلام الصغير يجر سيفه على الأرض حزيناً لأنه حرم من شرف صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم فى أول غزوة يغزوها. وعادت من روائه أمه "النوار بنت مالك" وهى لا تقل عنه أسى وحزنا. فقد كانت تتمنى أن تكتحل عيناها برؤية غلامها ، وهو يمضى مع الرجال مجاهدا تحت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وكانت تأمل فى أن يحتل المكانة التى كان من المنتظر أن يحظى بها أبوه لدى الرسول صلى الله عليه وسلم لو أنه ظل على قيد الحياة. لكن الغلام الأنصارى حين وجد أنه قد أخفق فى أن يحظى بالتقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى هذا المجال لصغر سنه ، تفتقت فطنته عن مجال آخر – لا علاقة له بالسن – يقربه من النبى صلوات الله عليه ويدنيه إليه. ذلك المجال : هو مجال العلم والحفظ.. فذكر الغلام الفكرة لأمة ، فهشت لها وبشت (بمعنى: سرت وفرحت) ونشطت لتحقيقها. حدثت "النوار" رجالا من قومهم برغبة الغلام ، ؛ وذكرت لهم فكرته .. فمضوا به إلى رسول الله صلوات الله عليه وقالوا: يا بنى ، هذا ابننا زيد بن ثابت يحفظ سبع عشرة سورة من كتاب الله ، ويتلوها صحيحة كما أنزلت على قلبك. وهو فوق ذلك حاذق يجيد الكتابة والقراءة. وهو يريد أن يتقرب بذلك إليك وأن يلزمك .. فاسمع منه إذا شئت. سمع الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من الغلام زيد بن ثابت بعضا مما يحفظ فإذا هو مشرق الأداء ، مبين النطق .. تتلألأ كلمات القرآن على شفتيه كما تتلألأ الكواكب على صفحة السماء .. ثم إن تلاوته تنم على تأثر بما يتلو .. ووقفاته تدل على وعى لما يقرأ وحسن فهم.. فسر به الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إذ وجده فوق ما وصفوه، وزاده سرورا به إتقانه للكتابة.. فالتفت إليه النبى الكريم صلى الله عليه وسلم وقال: (يا زيد ، تعلم لى كتابة اليهود ، فإنى لا أمنهم على ما أقول) فقال: لبيك يا رسول الله. وعكف على تعلم العبرية حتى أتقنها فى وقت يسير ، وجعل يكتبها لرسول الله صلوات الله عليه ، إذا أراد أن يكتب لليهود ، ويقرؤها له إذا هم كتبوا إليه. ثم تعلم "السريانية" (وهى إحدى اللغات السامية وكانت منتشرة بين طوائف من الناس) بأمر منه – عليه الصلاة والسلام – فأصبح الفتى زيد بن ثابت ترجمان رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما استوثق النبى صلوات الله عليه من رصانة زيد وأمانته ، ودقته وفهمه ؛ ائتمنه على رسالة السماء إلى الأرض ، فجعله كاتباً لوحى الله .. فكان إذا نزل شئ من القرآن على قلبه ، بعث إليه يدعوه وقال: (اكتب يا زيد) ، فيكتب. فإذا بزيد بن ثابت يتلقى القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، شيئا فشيئا، فينمو مع آياته .. ويأخذه رطبا طريا من فمه موصولا بأسباب نزوله ، فتشرق نفسه بأنوار هدايته .. ويستنير عقله بأسرار شريعته .. وإذا بالفتى المحظوظ يتخصص بالقرآن ، ويغدو المرجع الأول فيه لأمة محمد بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. فكان رأس من جمعوا كتاب الله فى عهد الصديق .. وطليعة من وحدوا مصاحفه فى زمن عثمان. أفبعد هذه المنزلة منزلة تسمو إليها الهمم؟! .. وهل فوق هذا المجد مجد تطمح إليه النفوس؟! وقد كان من فضل القران على زيد بن ثابت أن أنار له سبل الصواب فى المواقف التى يحار فيها أولو الألباب .. ففى يوم السقيفة (هى سقيفة بنى ساعدة حيث اجتمع المسلمون بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ليتفاوضوا فى شأن الخلافة) اختلف المسلمون فيمن يخلف رسول الله صلوات الله عليه .. فقال المهاجرون: فينا خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن بها أولى. وقال بعض الانصار : بل تكون الخلافة فينا ونحن بها أجدر. وقال البعض: بل تكون الخلافة فينا وفيكم معا .. فقد كان رسول الله صلوات الله عليه إذا استعمل واحدا منكم على عمل قرن معه واحدا منا. وكادت تحدث الفتنة الكبرى ، ونبى الله صلى الله عليه وسلم مازال مسجى بين ظهرانيهم لم يدفن بعد. وكان لابد من كلمة حاسمة رشيدة مشرقة بهدى القرآن تئد الفتنة فى مهدها ، وتنير للحائرين الطريق. فانطلقت هذه الكلمة من فم زيد بن ثابت الانصارى. إذ التفت إلى قومه وقال: يا معشر الأنصار .. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان من المهاجرين ، فيكون خليفته مهاجرا مثله .. وإنا كنا أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكون أنصار لخليفته من بعده وأعوانا له على الحق. ثم بسط يده إلى أبى بكر الصديق وقال: هذا خليفتكم فبايعوه. وقد غدا زيد بن ثابت بفضل القرآن وتفقهه فيه وطول ملازمته لرسول الله صلى الله عليه وسلم منارة للمسلمين .. يستشيره خلفاؤهم فى المعضلات ، ويستفتيه عامتهم فى المشكلات ، ويرجعون إليه فى المواريث خاصة ؛ إذ لم يكن بين المسلمين – إذ ذاك – من هو أعلم منه لأحكامها وأحدق منه فى قسمتها ؛ فقد خطب عمر رضوان الله عليه فى المسلمين يوم "الجابية" (قرية غربى دمشق اجتمع فيها عمر بن الخطاب رضى الله عنه مع الصحابة للتداول فى شئون الفتح وخطب فيها خطبته المشهورة فسمى ذلك اليوم بيوم الجابية) فقال: أيها الناس ؛ من أراد أن يسأل عن القرآن فليأت زيد ين ثابت .. ومن أراد أن يسأل عن الفقه فليأت معاذ بن جبل .. ومن أراد أن يسأل عن المال فليأت إلى الله عز وجل جعلنى عليه واليا ، وله قاسما .. ولقد عرف طلاب العلم من الصحابة والتابعين لزيد بن ثابت قدره ، فأجلوه وعظموه لما وقر فى صدره من العلم. فها هو ذا بحر العلم عبد الله بن عباس يرى زيد بن ثابت قد هم بركوب دابته ، فيقف بين يديه ، ويمسك له بركابه ، ويأخذ بزمام دابته .. فقال له زيد بن ثابت: دع عنك يا ابن عم رسول الله . فقال ابن عباس: هكذا أمرنا أن نفعل بعلمائنا . فقال له زيد: أرنى يدك. فأخرج ابن عباس يده له ، فمال عليه زيد وقبلها ، وقال: هكذا أمرنا أن نفعل بآل بيت نبينا. ولما لحق زيد بن ثابت بجوار ربه ؛ بكى المسلمون بموته العلم الذى ورى معه ، فقال أبو هريرة: اليوم مات حبر هذه الأمة ، وعسى أن يجعل الله فى ابن عباس خلفا منه. ورثاه شاعر رسول الله حسان بن ثابت ورثى نفسه معه ؛ فقال: فمن للقوافى بعد حسان وابنه ومن للمعانى بعد زيد بن ثابت ؟!
__________________


لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين
اللحالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-15-2015, 02:14 AM   #2
اصايل
إدارة عامّة
 
الصورة الرمزية اصايل
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 5,325

اوسمتي

افتراضي

__________________


اصايل غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
قديم 05-15-2015, 08:22 AM   #3
اللحالي
مالك الموقع
 
الصورة الرمزية اللحالي
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,506

اوسمتي

افتراضي

ولك جزيل الشكر بالمرور العطر اصايل
__________________


لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين
اللحالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
إضافة رد


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
عاصم بن ثابت اللحالي صور من حياة الصحابه 2 12-17-2015 12:10 PM
عاصم بن ثابت اللحالي صور من حياة الصحابه 3 10-29-2015 09:02 AM


الساعة الآن 06:32 AM