العودة   منتدى اللحالي > نسمــات إيمـانـية > القرآن الكريم وتفسيره

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 06-01-2015, 06:23 PM   #1
اللحالي
مالك الموقع
 
الصورة الرمزية اللحالي
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,555

اوسمتي

افتراضي تفسير سورة الأعلى لابن سعدي

تفسير سورة سبح (الأعلى)
وهي مكية
‏[‏1 ـ 19‏]‏ ‏بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ‏{‏سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى * سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى * إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى * وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى * فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى * سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى * وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى * الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى * ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى *بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى * صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏
يأمر تعالى بتسبيحه المتضمن لذكره وعبادته، والخضوع لجلاله، والاستكانة لعظمته، وأن يكون تسبيحا، يليق بعظمة الله تعالى، بأن تذكر أسماؤه الحسنى العالية على كل اسم بمعناها الحسن العظيم، وتذكر أفعاله التي منها أنه خلق المخلوقات فسواها، أي‏:‏ أتقنها وأحسن خلقها، ‏{‏وَالَّذِي قَدَّرَ‏}‏ تقديرًا، تتبعه جميع المقدرات ‏{‏فَهَدَى‏}‏ إلى ذلك جميع المخلوقات‏.‏
وهذه الهداية العامة، التي مضمونها أنه هدى كل مخلوق لمصلحته، وتذكر فيها نعمه الدنيوية، ولهذا قال فيها‏:‏ ‏{‏وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى‏}‏ أي‏:‏ أنزل من السماء ماء فأنبت به أنواع النبات والعشب الكثير، فرتع فيها الناس والبهائم وكل حيوان ، ثم بعد أن استكمل ما قدر له من الشباب، ألوى نباته، وصوح عشبه، ‏{‏فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى‏}‏ أي‏:‏ أسود أي‏:‏ جعله هشيمًا رميمًا، ويذكر فيها نعمه الدينية، ولهذا امتن الله بأصلها ومنشئها ، وهو القرآن، فقال‏:‏ ‏{‏سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى‏}‏ أي‏:‏ سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئًا، وهذه بشارة كبيرة من الله لعبده ورسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الله سيعلمه علمًا لا ينساه‏.‏
‏{‏إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ‏}‏ مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، ‏{‏إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى‏}‏ ومن ذلك أنه يعلم ما يصلح عباده أي‏:‏ فلذلك يشرع ما أراد، ويحكم بما يريد ، ‏{‏وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى‏}‏ وهذه أيضًا بشارة كبيرة ، أن الله ييسر رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا ‏.‏
‏{‏فَذَكِّر‏}‏ بشرع الله وآياته ‏{‏إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى‏}‏ أي‏:‏ ما دامت الذكرى مقبولة، والموعظة مسموعة، سواء حصل من الذكرى جميع المقصود أو بعضه‏.‏
ومفهوم الآية أنه إن لم تنفع الذكرى، بأن كان التذكير يزيد في الشر، أو ينقص من الخير، لم تكن الذكرى مأمورًا بها، بل منهيًا عنها، فالذكرى ينقسم الناس فيها قسمين‏:‏ منتفعون وغير منتفعين‏.‏
فأما المنتفعون، فقد ذكرهم بقوله‏:‏ ‏{‏سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى‏}‏ الله تعالى، فإن خشية الله تعالى، وعلمه بأن سيجازيه على أعماله ، توجب للعبد الانكفاف عن المعاصي والسعي في الخيرات‏.‏
وأما غير المنتفعين، فذكرهم بقوله‏:‏ ‏{‏وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى‏}‏ وهي النار الموقدة، التي تطلع على الأفئدة‏.‏
‏{‏ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا‏}‏ أي‏:‏ يعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إنهم يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى‏:‏ ‏{‏لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا‏}‏ ‏.‏
‏{‏قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى‏}‏ أي‏:‏ قد فاز وربح من طهر نفسه ونقاها من الشرك والظلم ومساوئ الأخلاق، ‏{‏وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى‏}‏ أي‏:‏ اتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه، فأوجب له ذلك العمل بما يرضي الله، خصوصًا الصلاة، التي هي ميزان الإيمان، فهذا معنى الآية الكريمة، وأما من فسر قوله ‏{‏تزكى‏}‏ بمعني أخرج زكاة الفطر، وذكر اسم ربه فصلى، أنه صلاة العيد، فإنه وإن كان داخلًا في اللفظ وبعض جزئياته، فليس هو المعنى وحده‏.‏
‏{‏بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا‏}‏ أي‏:‏ تقدمونها على الآخرة، وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على الآخرة‏.‏
‏{‏وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى‏}‏ وللآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب، وأبقى لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة‏.‏
‏{‏إِنَّ هَذَا‏}‏ المذكور لكم في هذه السورة المباركة، من الأوامر الحسنة، والأخبار المستحسنة ‏{‏لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى‏}‏ اللذين هما أشرف المرسلين، سوى النبي محمد صلى الله وسلم عليه وسلم‏.‏
فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان‏.‏
تم تفسير سورة سبح، ولله الحمد‏.‏
__________________


لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين
اللحالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
تفسير سورة ق لابن سعدي اللحالي القرآن الكريم وتفسيره 0 06-01-2015 04:44 PM
تفسير سورة ص لابن سعدي اللحالي القرآن الكريم وتفسيره 0 06-01-2015 04:27 PM
تفسير سورة يس لابن سعدي اللحالي القرآن الكريم وتفسيره 0 06-01-2015 04:26 PM
تفسير سورة طه لابن سعدي اللحالي القرآن الكريم وتفسيره 0 06-01-2015 04:07 PM
تفسير سورة هود لابن سعدي اللحالي القرآن الكريم وتفسيره 0 06-01-2015 03:56 PM


الساعة الآن 01:50 AM