10-24-2014, 12:31 AM
|
#1
|
مالك الموقع
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,561
|
عبد الله بن مسعود
|
|
|
|
كان يومئذ غلاما يافعا لم يجاوز الحلم ، وكان يسرح في شعاب مكه بعيدا عن الناس ، ومعه غنم يرعاها لسيد من سادات قريش
هو عُـقبه بن ابي معيط ، كان الناس ينادونه : (( اِبن أُم عَبدٍ )) اما اسمه فهو عبدالله ، و اما اسم ابيه ( فمسعود )
كان الغلام يسمع بأخبار النبي صلى الله عليه وسلم الذي ظهر في قومه فلا يأبه لها لصغر سنه من جهه ، ولبعده عن المجتمع
المكي من جهة اخرى ، فقد دأب على ان يخرج بغنم عُـقبه منذ البكور ثم لايعود بها الا اذا اقبل الليل
وفي ذات يوم ابصر الغلام عبدالله بن مسعود كهلين عليهما الوقار يتجهان نحوه من بعيد ، وقد اخذ الجهد منهما كل مأخذ
واشتد عليهما الظمأ حتى جفت منهما الشفاة و الحلوق ، فلما وقفا عليه ، سلما وقالا : يا غلام ، احلب لنا من هذه الشياه
مانطفئ به ظمأنا ، و نَبُـلُ عروقنا
فقال الغلام : لا افعل ، فالغنم ليست لي ، و انا عليها مؤتمن
ثم قال له احدهما : دلني على شاة لم ينزل عليها فحل فأشار الغلام الى شاةٍ صغيره قريبه منه ، فتقدم منها الرجل واعتقلها
وجعل يمسح على ضرعها بيده وهو يذكر عليها اسم الله ، فنظر اليه الغلام في دهشةٍ ، وقال في نفسه ..
ومتى كانت الشياه الصغيره التي لم تنزل عليها الفحول تدر لبنا ؟
لكن ضرع الشاة مالبث ان انتفخ ، وطفق البن ينبثق منه غزيرا ، فأخذ الرجل الاخر حجرا مجوفا من الارض ، وملأه بالبن
وشرب منه هو وصاحبه ، ثم سقياني معهما ، وانا لا اكاد اصدق ما ارى
فلما ارتوينا ، قال الرجل المبارك لضرع الشاه .. انقبض .. فما زال ينقبض حتى عاد الى ماكان عليه
عند ذلك قلت للرجل المبارك .. علمني من هذا القول الذي قلته
قال لي : انك غُلام مُعلّم
كانت هذه بداية قصة عبدالله بن مسعود مع الاسلام ، اذ لم يكن الرجل المبارك الا رسول الله صلوات الله عليه ، ولم يكن صاحبه
الا الصديق رضي الله عنه .. فقد نفرا ( خرجا ) في ذلك اليوم الى شعاب مكه ، لفرط ما ارهقتهما قريش ، ولشدة ما انزلت بهما
من بلاء
وكما احب الغلام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم و صاحبه و تعلق بهما ، فقد أُعجب الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه
بالغلام و اكبرا امانته وحزمه ، وتوسما فيه الخير
لم يمضِ وقت طويل حتى اسلم عبدالله بن مسعود وعرض نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه ، فوضعه الرسول
صلوات الله عليه في خدمته ومنذ ذلك اليوم انتقل الغلام المحظوظ عبدالله بن مسعود من رعاية الغنم الى خدمة سيد الخلق و الامم
لزم عبدالله بن مسعود رسول الله صلوات الله عليه ملازمة الظل لصاحبه ، فكان يرافقه في حله وترحاله ، ويصاحبه داخل بيته وخارجه
اذا كان يوقظه اذا نام ، ويستره اذا اغتسل ، ويلبسه نعليه اذا اراد الخروج ويخلعهما من قدميه اذا هم بالدخول ، ويحمل له عصاه وسواكه
ويلج الحجرة بين يديه اذا اوى الى حجرته ، بل ان الرسول عليه الصلاة و السلام اذن له بالدخول عليه متى شاء و الوقوف
على سره من غير تحرج ولا تأثم .. حتى دُعي بـ ( صاحب سر ) رسول الله صلى الله عليه وسلم
رُبي عبدالله بن مسعود في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأهتدى بهديه ، وتخلق بأخلاقه ، وتابعه في كل خصلة من خصاله
حتى قيل عنه : انه اقرب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وسلم هديا وسمتا ( السمت : الهيئه و الخلق )
وتعلم ابن مسعود في مدرسة الرسول صلى الله عليه وسلم فكان من اقرا الصحابه للقرآن ، و افقههم لمعانيه ، و اعلمهم بشرع الله
ولا ادل على ذلك من حكاية ذلك الرجل الذي اقبل على عمر بن الخطاب وهو واقف بـ ( عرفه ) .. فقال له ..
جئت يا امير المؤمنين من الكوفه وتركت بها رجلا يملي المصاحف عن ظهر قلبه ، فغضب عمر غضبا قلما غضب مثله
وانتفخ حتى كاد يملأ مابين شعبتي الرحل ( مقدمته و مؤخرته ) وقال : من هو ويحك ؟!
قال : عبدالله بن مسعود
فما زال ينطفئ ويسرّى عنه حتى عاد الى حاله
ثم قال : ويحك ، والله ما اعلم انه بقي احد من الناس احق بهذا الامر منه ، وسأحدثك عن ذلك
واستئنف عمر كلامه .. فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمر ذات ليلة عند ابي بكر ويتفاوضان في امر المسلمين
وكنت معهما ، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وخرجنا معه ،فاذا رجل قائم يصلي بالمسجد لم نتبينه ..
فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع اليه ثم التفت الينا وقال ..
( من سره ان يقرأ القرآن رطبا كما نزل فليقرأه على قراءة ابن ام عبد )
ثم جلس عبدالله بن مسعود يدعو فجعل الرسول عليه الصلاة والسلام يقول له : ( سل تعطه .. سل تعطه )
ثم اتبع عمر يقول .. فقلت في نفسي : والله لأغدون على عبدالله بن مسعود ولأبشرنه بتأمين الرسول صلى الله عليه وسلم
على دعائه ، فغدوت عليه فبشرته ، فوجدت ابا بكر قد سبقني اليه فبشره .. ولا والله ما سابقت ابا بكر الى خير قط الا سبقني اليه
ولقد بلغ من علم عبدالله بن مسعود بكتاب الله انه كان يقول .. والله الذي لا اله غيره ، مانزلت آية من كتاب الله الا وانا اعلم اين نزلت
و اعلم فيما نزلت ، ولو اعلم ان احداً اعلم مني بكتاب الله تناله المطي لأتيته
لم يكن عبدالله بن مسعود مبالغا فيما قاله عن نفسه ، فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلقى قافلةً في سفر من اسفاره ..
والليل مخيم يحجب الركب بظلامه .. وكان في الركب عبدالله بن مسعود ، فأمر عمر رجلا ان يناديهم ..
من اين القوم ؟ ..
فأجابه عبدالله : من الفج العميق ( الوادي العميق )
فقال عمر : اين تريدون ؟
فقال عبدالله : البيت العتيق
فقال عمر : ان فيهم عالما ، و امر رجلا فناداهم ..
اي القرآن اعظم ؟
فأجابه عبدالله ..
(( اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ
يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا
وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ))
فقال عمر : نادهم اي القرآن احكم ؟
فقال عبدالله ..
(( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ))
فقال عمر .. نادهم اي القرآن اجمع ؟
فقال عبدالله ..
(( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))
فقال عمر .. نادهم اي القرآن اخوف ؟
فقال عبدالله ..
( لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ))
فقال عمر .. نادهم اي القرآن ارجى ( اخوف ) ؟
فقال عبدالله ..
(( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ))
فقال عمر .. نادهم ، افيكم عبدالله بن مسعود؟
قالوا : اللهم نعم
لم يكن عبدالله بن مسعود قارئا عالما عابدا زاهدا فحسب ، وانما كان مع ذلك قويا حازما مجاهدا مقداما جد الجد
فحسبه انه اول مسلم على ظهر الارض جهر بالقرآن بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم
فقد اجتمع يوما اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكه ، وكانوا قلة مستضعفين ..
فقالوا : والله ماسمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط ، فمن رجل يسمعهم اياه ؟
فقال عبدالله بن مسعود : انا اسمعهم اياه
فقالوا : انا نخشاهم عليك ، وانما نريد رجلا له عشيرة ، تحميه وتمنعه منهم اذا ارادوه بشر
فقال : دعوني فان الله سيمنعني ويحميني
ثم غدا الى المسجد حتى اتى مقام ابراهيم في الضحى ، وقريش جلوس حول الكعبه ، فوقف عند المقام و قرأ ..
بسم الله الرحمن الرحيم _ رفعا بها صوته _
(( الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ *...... ))
ومضى يقرئها ، فتاملته قريش وقالت : ماذا قال ابن ام عبد ؟ تبا له .. انه يتلو بعض ما جاء به محمد
وقاموا اليه وجعلوا يضربون وجهه وهو يقرأ حتى بلغ منها ماشاء الله ان يبلغ ، ثم انصرف الى اصحابه والدم يسيل منه
فقالوا له : هذا الذي خشينا عليك
فقال : والله ما كان اعداء الله اهون في عيني منهم الان ، وان شئتم لاغادينهم بمثلها غدا
قالوا : لا ، حسبك لقد اسمعتهم مايكرهون
عاش عبدالله بن مسعود الى زمن خلافة عثمان رضي الله عنه ، فلما مرض مرض الموت جاءه عثمان عائدا
فقال له : ماتشكي ؟
قال : ذنوبي
قال : فما تشتهي ؟
قال : رحمة ربي
قال : الا امر لك بعطائك الذي امتنعت عن اخذه منذ سنين ؟
قال : لاحاجة لي به
قال : يكون لبناتك من بعدك
قال : اتخشى على بناتي الفقر ؟
اني امرتهن ان يقرأن كل ليلة سورة الواقعه ، و اني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول
( من قرا الواقعه كل ليلة لم تصبه فاقه ابدا )
ولما اقبل الليل ، لحق عبدالله بن مسعود بالرفيق الاعلى ، ولسانه رطب بذكر الله ، ندي بآياته البينات |
|
|
|
|
__________________
لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين
|
|
|