أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
المشاركة السابقة   المشاركة التالية
قديم 11-28-2014, 01:24 AM   #1
اللحالي
مالك الموقع
 
الصورة الرمزية اللحالي
 
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,563

اوسمتي

افتراضي عبد الله بن أمّ مكتوم

عبدالله بن أم مكتوم

(( رجل أعمى أنزل الله في شأنه ست عشرة آية , تليت وستظل تتلى ما كرَّ الجديدان ))
-المفسرون-



من هذا الذي عوتب فيه النبي الكريم من فوق سبع سماوات أقسى عتاب وأوجعه ؟! .

من هذا الذي نزل بشأنه جبريل الأمين على قلب النبي الكريم بوحي من عند الله ؟! .

إنه عبدالله بن أمِّ مكتوم مؤذن الرسول صلوات الله وسلامه عليه .

* * *

وعبدالله بن أم مكتوم مكي قرشي تربطه بالرسول عليه الصلاة والسلام رحم , فقد كان ابن خال أم المؤمنين خديجة بنت خويلد رضوان الله عليهما .

أما أبوه فقيس بن زائد , وأما أمه فعاتكه بنت عبدالله , وقد دعيت بأم مكتوم لأنها ولدته أعمى مكتوماً .

* * *

شهد عبدالله بن أم مكتوم مطلع نور في مكة , فشرح الله صدره للإيمان , وكان من السباقين إلى الإسلام .

عاش ابن أم مكتوم محنة المسلمين في مكة بكل ما حلفت به من تضحية وثبات وصمود وفداء .

وعانى من أذى قريش ما عاناه أصحابه , وبلا من بطشهم وقسوتهم ما بلوه , فما لانت له قناة ( أي ما ضعف وما تزعزع ) ولا فترت له حماسة ولا ضعف له إيمان . . .

وإنما زاده ذلك استمساكاً بدين الله , وتعلقاً بكتاب الله , وتفقهاً بشرع الله , وإقبالاً على الرسول صلوات الله وسلامه عليه .

* * *

وقد بلغ من إقباله على النبي الكريم وحرصه على حفظ القرآن العظيم , أنه كان لا يترك فرصةً إلا اغتنمها , ولا سانحةً إلا ابتدرها . . .

بل كان إلحاحه على ذلك يغريه - أحياناً - بأن يأخذ نصيبه من الرسول صلى الله عليه وسلم ونصيب غيره .

وقد كان الرسول صلوات الله عليه في هذه الفترة كثير التصدي لسادات قريش , شديد الحرص على إسلامهم , فالتقى ذات يوم بعتبة بن ربيعة وأخيه شيبة بن ربيعة وعمرو بن هشام المكنى بأبي جهل , وأمية بن خلف والوليد بن المغيرة , والد سيف الله خالد , وطفق يفاوضهم ويناجيهم ويعرض عليهم الإسلام , وهو يطمع في أن يستجيبوا له , أو يكفُّو أذاهم عن أصحابه .

* * *

وفيما هو كذلك أقبل عليه عبدالله بن أم مكتوم يستقرئه آيةً من كتاب الله , ويقول :

يا رسول الله , علمني مما علمك الله .

فأعرض الرسول الكريم عنه , وعبس في وجهه , وتولى نحو أولئك النفر من قريش , وأقبل عليهم أملاً في أن يسلموا فيكون في إسلامهم عز لدين الله , وتأييد لدعوة رسوله .

وما إن قضى رسول الله صلوات الله عليه حديثه معهم وفرغ من نجواهم , وهمّ أن ينقلب ( يعود ) إلى أهله حتى أمسك الله عليه بعضاً من بصره , وأحس كأن شيئاً يخفق برأسه ( يضرب رأسه ) .

ثم أنزل عليه قوله : (( عَبَسَ وَتَوَلّى * أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى * وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى*أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى*وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى * وَهُوَ يَخْشَى * فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى *كلا إِنهَا تَذْكِرَةٌ * فَمَن شاءَ ذَكَرَهُ * فى صحُفٍ مُّكَرَّمَةٍ * مَّرْفُوعَةٍ مُّطهَّرَةِ * بأيدي سفره * كرام بررة ))


ست عشرة آية نزل بها جبريل الأمين على قلب النبي الكريم في شأن عبدالله بن أم مكتوم , لا تزال تتلى منذ نزلت إلى اليوم , وستظل تتلى حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

* * *

ومنذ ذلك اليوم ما فتىء الرسول صلوات الله عليه يكرم منزل عبدالله بن أم مكتوم إذا نزل , ويدني مجلسه إذا أقبل , ويسأله عن شأنه , ويقضي حاجته .

ولا غرو ( ولا عجب ) , أليس هو الذي عوتب فيه من فوق سبع سماوات أشد عتاب وأعنفه ؟!

ولما كلبت ( أشتدت عليهم وألحت في أذاهم ) قريش على الرسول والذين آمنوا معه , واشتد أذاها لهم أذن الله للمسلمين بالهجرة , فكان عبدالله بن أم مكتوم أسرع القوم مفارقة لوطنه , وفراراً بدينه . . .

فقد كان هو ومصعب بن عمير أول من قدم المدينة من أصحاب رسول الله .

وما إن بلغ عبدالله بن أم مكتوم يثرب حتى طفق هو وصاحبه مصعب بن عمير يختلفان إلى الناس ويقرءان القرءان , ويفقهانهم في دين الله .

ولما قدم الرسول عليه الصلاة والسلام إلى المدينة اتخذ عبدالله بن أم مكتوم وبلال بن رباح مؤذنين للمسلمين يصدعان بكلمة التوحيد كل يوم خمس مرات , ويحضانهم على الفلاح . . .

فكان بلال يؤذن وابن أم مكتوم يقيم الصلاة , وربما أذن أبن أم مكتوم وأقام بلال .

وكان لبلالٍ وابن أم مكتوم شأن آخر في رمضان , فقد كان المسلمون في المدينة يتسحرون على أذان أحدهما ويمسكون عند أذان الآخر .

كان بلال يؤذن بليلٍ ويوقظ الناس , وكان ابن أم مكتوم يتوخى الفجر فلا يخطئه .

وقد بلغ من إكرام النبي عليه الصلاة والسلام لابن أم مكتوم أن استخلفه على المدينة عند غيابه عنها بضع عشرة مرة كانت إحداهما يوم غادرها لفتح مكة .

وفي أعقاب غزوة بدر أنزل الله على نبيه من آيِ القرآن ما يرفع شأن المجاهدين , ويفضلهم على القاعدين لينشط المجاهد إلى الجهاد , ويأنف القاعد من القعود , فأثّر ذلك في نفس ابن أم مكتوم , وعز عليه أن يُحرم من هذا الفضل وقال :

يا رسول الله , لو أستطيع الجهاد لجاهدت , ثم سأل الله بقلب خاشع أن ينزل قرآناً في شأنه وشأن أمثاله ممن تعوقهم عاهاتهم عن الجهاد , وجعل يدعوا في ضراعةٍ :

" اللهم أنزل عذري . . . اللهم أنزل عذري "

فما أسرع أن استجاب الله جل وعز لدعائه .

* * *

حدّث زيد بن ثابت كاتب وحي رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقال :

كنت إلى جنب الرسول صلوات الله عليه , فغشيته السكينه , فوقعت فخذه على فخذي , فما وجدت شيئاً أثقل من فخذ رسول الله عليه الصلاة والسلام , ثم سري ( كشف عنه ما نزل به من شدة الوحي وثقله ) عنه فقال :

اكتب يا زيد , فكتبت : (( لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل الله . . . ))

فقام ابن أم مكتوم وقال : يا رسول الله , فكيف بمن لا يستطيع الجهاد ؟! فما انقضى كلامه حتى غشيت رسول الله صلى الله عليه وسلم السكينة , فوقعت فخذه على فخذي , فوجدت من ثقلها ما وجدته في المرة الأولى , ثم سري عنه فقال .

اقرأ ما كتبته يا زيد , فقرأت (( لا يستوي القاعدون من المؤمنين ))

فقال : اكتب

(( غير أولي الضرر ))

فنزل الاستثناء الذي تمناه ابن أم مكتوم .

وعلى الرغم من أن الله سبحانه أعفى عبدالله بن أم مكتوم وأمثاله من الجهاد , فقد أبت نفسه الطموح أن يقعد مع القاعدين , وعقد العزم على الجهاز في سبيل الله . . .

ذلك لأن النفوس الكبيرة لا تقنع إلا بكبار الأمور .

فحرص منذ ذلك اليوم على ألا تفوته غزوة , وحدد لنفسه وظيفتها في ساحات القتال , فكان يقول : أقيموني بين الصفين وحملوني اللواء أحمله لكم وأحفظه . . .

فأنا أعمى لا أستطيع الفرار .

* * *

وفي السنة الرابعة عشرة للهجرة عقد عمر بن الخطاب العزم على أن يخوض مع الفرس معركة فاصلة تديل دولتهم , وتزيل ملكهم , وتفتح الطريق أمام جيوش المسلمين , فكتب إلى عماله يقول :

لا تدعوا أحداً له سلاح أو فرس أو نجدةٌ أو رأيٌ إلا وجهتموه إلي , والعجل العجل .

وطفيت جموع المسلمين تلبي الفاوق وتنهال على المدينة من كل حدب وصوب , وكان في جملة هؤلاء المجاهد المكفوف البصر عبدالله بن أم مكتوم .

فأمر الفاروق على الجيش الكبير سعد بن ابي وقاص , وأوصاه وودعه .

ولما بلغ الجيش القادسية , برز عبدالله بن أم مكتوم لابساً درعه , مستكملاً عدته , وندب نفسه لحمل راية المسلمين والحفاظ عليها أو الموت دونها .

* * *

والتقى الجمعان في أيام ثلاثة قاسية عابسة . واحترب الفريقان حرباً لم يشهد لها تاريخ الفتوح مثيلاً حتى انجلى اليوم الثالث عن نصر مؤزر للمسلمين , فدالت دولة من أعظم الدول . . .

وزال عرش من أعرق العروش . . .

ورفعت راية التوحيد في أرض الوثنية .

وكان ثمن هذا النصر المبين مئات الشهداء . وكان بين هؤلاء الشهداء عبدالله بن أم مكتوم . . .

فقد وجد صريعاً مضرجاً بدمائه وهو يعانق راية المسلمين .
__________________


لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين
اللحالي غير متواجد حالياً   رد مع اقتباس
 


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 )
 
أدوات الموضوع
انواع عرض الموضوع

ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

كود [IMG]متاحة
كود HTML معطلة



المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
جـلســـه يبغضهــا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) همس الآيام هدي الحبيب 2 08-25-2015 07:34 PM
سرى الّليل - حمدان آل مكتوم اللحالي مختارات من نبض المشاعر 0 08-15-2014 05:38 PM


الساعة الآن 08:16 AM