|
02-01-2017, 12:27 PM | #1 |
زائر
المشاركات: n/a
|
الصدق أنقى وأنجى
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم مثالًا وقدوةً في الصدق؛ فقبل البعثةِ النبوية لقَّبَتْه قريشٌ بالصادق الأمين، وعندما نزل عليه الوحيُ هدَّأتْ مِن رَوْعه السيدةُ خديجة رضي الله عنها بقولها: "كلَّا، أبشِرْ؛ فوالله لا يُخزيك الله أبدًا؛ فوالله إنك لتَصِل الرحم، وتصدُق الحديث، وتَحمِل الكَلَّ، وتَكسِبُ المعدومَ، وتَقرِي الضيف، وتُعِين على نوائب الحق". وبعد بعثته شهِد له العدو والصديقُ بذلك. الصدق من الأخلاق الحميدة التي دعا إليها الإسلام؛ فهو مِفتاح كل خير، وحرَّم الكذب ونفَّر منه؛ لأنه مفتاح كل شر وفساد في المجتمع؛ قال الله تعالى: ? يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ? [التوبة: 119]، ومن السُّنة النبوية الشريفة قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي يرويه عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: ((عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البِرِّ، وإن البرَّ يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدقُ ويتحرَّى الصدق حتى يُكتب عند الله صدِّيقًا، وإياكم والكذبَ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجورَ يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذبُ ويتحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا))؛ متفق عليه. مفردات الحديث: عليكم: الزَموا. يهدي: يوصل. البِر: كلمة جامعة لكل ما يحبه الله عز وجل من الأعمال الصالحة. إياكم: كلمة تفيد التحذير؛ أي: احذروه. الفجور: الميل عن الحق، أو الخروج عن الطاعة. • أما معنى الصدق، فهو: الإخبار عن الشيء على ما هو به، وهو نقيض الكذب. صفات المرء تتشكَّل في مرحلة الطفولة، وكثير من الأمهات يَكذِبْنَ على أبنائهن من أجل إسكاتهم، ويتناسين بأن الطفل كاللَّبِنة الغضَّة الطرية، تتشكل حسبما يراد لها، وتتأثر بمن يرعاها ويعتني بها، فعندما تُمارِس الأم الكذبَ على طفلها ليسكت (مِن أشهر ممارسات الأمهات أن توهم صغيرها أن معها شيئًا، وعندما يُقبِل عليها تدَّعي أنه طار)، أو يمارسه الأب ليتهرَّب من وعدٍ وعده لولده (كالذَّهاب في نزهة، أو شراء لعبة)، أو يسمعه يكذب على الآخرين في متجره مثلًا وأمامه - كأنه يعطي (الطفل) إشارةً خضراء لممارسته، ويفهم بأنه لا بأس به للخلاص مِن بعض المواقف، فيُجرِّبه أولًا على والديه؛ بل هما أكثر مَن يتأذى بكذب الطفل، ويكذب على المقرَّبين، ولربما أصبح سجيَّةً له ووصل تأثيرُه - إن لم يعالج - إلى أفراد المجتمع، فلا يتورَّع عن الكذب لتحصيلِ نفعٍ دنيوي؛ كالغش في البيع والشراء، وأكل حقوق الآخرين بالكذب والاحتيال. عن عبدالله بن عامر رضي الله عنه قال: دَعَتْني أمِّي يومًا ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم قاعدٌ في بيتنا، فقالت: ها تعالَ أُعطِيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أردتِ أن تُعطيَه؟))، قالت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أَمَا إنك لو لم تُعطِيه شيئًا، كُتِبت عليك كذبة))؛ رواه أبو داود، والبيهقي في "شعب الإيمان". يُقدِّم الآباء أبناءهم عادةً للضيوف، فربما هذا ما أرادَته الأم فأغرَته بشيءٍ، أو أنها كانت تريد إطعامه فعلًا، فاستوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم منها قائلًا: ((ما أردتِ أن تعطيَه؟))، فكان ردُّه توجيهًا لها وللآباء والأمهات والمربِّين كذلك: ((أَمَا إنك لو لم تعطِيه شيئًا، كتبت عليك كذبة))، كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم تحذيرٌ للأمهات من الكذب على الأبناء، وكأنه يقول لهن: سنواتُ التربية طويلة وشاقة، فاجعَلْنَها سجلًا ضخمًا للحسنات؛ بالصبر عليهم، والصدق معهم؛ لكسب ثقتهم، ولتكن كل واحدة قدوةً طيبة لأبنائها. الكذب والنفاق: عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((آيةُ المنافق ثلاثٌ: إذا حدَّث كذب، وإذا وعَد أخلف، وإذا اؤتمِن خان))؛ رواه البخاري ومسلم. المؤمن لا يكذب؛ ورعًا وخشية من أن تلحق به صفة من صفات النفاق. تَروي كتب التفسير لنا ما حدَث في غزو تبوك ? الْعُسْرَةِ ? [التوبة: 117]، حينما تخلَّف بضعةٌ وثمانون رجلًا من المنافقين عن الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتخلَّف ثلاثةٌ من المؤمنين من غير عذر أو نفاق؛ هم: مرارة بن الربيع، وهلال بن أمية، وكعب بن مالك. بعد عودة الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة، سارع المنافقون للاعتذار، فقَبِل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم اعتذارَهم، وترك سرائرهم لله عز وجل، أما هؤلاء الثلاثة، فقد قالوا الصدق. يُخبرنا كعب بن مالك بما قاله لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندما سأله عن سبب التخلف: ما كنتُ في غزاةٍ أيسر للظَّهر والنفقة مني في هذه الغزاة! المؤمنون الثلاثة لم يُحسَم ويقطع في الحكم فيهم إلا بعد خمسين ليلة، كانت الأصعب في حياتهم، وليس المراد من قوله: ? خُلِّفُوا ? [التوبة: 118] تخلَّفوا عن غزوة تبوك، ولكن المراد أنهم لم يعتَذِروا كذبًا كالمنافقين، بل صدقوا فأُرجِئوا وأُخِّروا حتى يُنزِل الله فيهم، فأنزل الله توبتَه عليهم. يصفُ كعب بن مالك ما رآه مِن رسول الله عندما جاءَتْه البشارة بالتوبة، فيقول: لَمَّا سلَّمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لي - ووجهه يبرق من السرور -: ((أبشِرْ بخيرِ يومٍ مرَّ عليك منذ ولدَتْك أمُّك))، قال: قلتُ: أَمِنْ عندك يا رسول الله، أم مِن عند الله؟ قال: ((بل مِن عند الله))، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استبشر كأنَّ وجهه قطعة قمر، قال: وكنا نعرف ذلك منه، قال: فلما جلستُ بين يدَيْه، قلت: يا رسول الله، إن مِن توبتي إلى الله عز وجل أن أنخلِعَ مِن مالي صدقةً إلى الله وإلى رسوله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أمسِكْ عليك بعضَ مالك، فهو خيرٌ لك))، قال: قلت: إني ممسك سهمي الذي بخيبر، وقلت: يا رسول الله، إن الله نجاني بالصدق، وإن من توبتي إلى الله ألَّا أُحدِّث إلا صدقًا ما حَييت، والله ما أعلم أحدًا مِن الناس أبلاه الله في صدق الحديث منذ ذكرتُ ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل مما أبلاني الله، والله ما تعمَّدتُ مِن كذبة منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا، وإني لأرجو أن يحفظني الله فيما بقي. نزل فيهم قول الله تعالى: ? وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنْفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لَا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ? [التوبة: 118]. ذُكِر المنافقون كثيرًا في سورة التوبة، حتى قال ابن عباس عنها: هي سورة الفاضحة؛ لأن الله سبحانه وتعالى فضح فيها المنافقين وكشف أستارهم. فقال رضي الله عنه في بيان ذلك: ما زالت تنزل ? وَمِنْهُمْ ? ? وَمِنْهُمْ ?؛ يعني: ما زالت تنزل الآيات تلو الآيات التي مطلعها ? وَمِنْهُمْ ? - كما في قوله سبحانه وتعالى: ? وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ? [التوبة: 58]، وقوله: ? وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ? [التوبة: 61]، وقوله: ? وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ? [التوبة: 75، 76]، وغيرها - قال: حتى ظنُّوا؛ يعني ظن الصحابة، أنه لن يبقى أحد إلا ذُكر في هذه السورة، وهذا مِن خوفهم رضي الله عنهم من النفاق وأخلاقه. ظن المنافقون أن الكذب ينجي، لكن الصدق أنقى وأنجى في الدنيا والآخرة. متفرقات: • قيل في الصدق: للصدق رائحةٌ لا تُشم بالأنوف، ولكن تُحَس بالقلوب. • وقال أمين الريحاني: ازرَعِ الصدق والرصانة، تحصُدِ الثقة والأمانة. • وقيل: الوفاء والصدق يجلبانِ الرزق. ? اسألوا التاجرَ الصادق في تعامله مع الناس عن البرَكة في ماله، وحب الناس للتعامل معه، وثقتهم به، وهذا نوع من أنواع الرزق. • قال الفُضيل بن عِياض: ما مِن مضغة أحب إلى الله مِن لسان صدوق، وما من مضغة أبغض إلى الله مِن لسان كذوب. • دوافع الكذب وأسبابه عديدة؛ منها الحرمان، والحسد، والغيرة من الزملاء، والقدوة السيئة، وحماية النفس من العقاب. مَن كذب ليخلص نفسَه من العقوبة، فعلى مَن ستقع إذًا؟ حساب المواطن , توقعات الابراج لشهر فبراير 2017, شروط حساب المواطن, التسجيل في حساب المواطن الكاذب يُكتشف أمرُه ولو بعد حين، ويظهر ذلك في فلتات لسانه، وتناقض أقواله، أو نسيانه ما قاله سابقًا؛ لذا يقولون: حبل الكذب قصير. أثناء كتابتي للمقال نزل منشورانِ قصيران في شبكة الألوكة: أولهما: مَن أراد الدنيا فعليه بالصدق، ومَن أراد الآخرة فعليه بالصدق. الثاني: عوِّد لسانك الصدق تحظَ به، إن اللسان لِما عوَّدتَ معتادُ. • قال مالك بن أنس: قلَّ ما كان رجل صادقًا لا يكذب إلا مُتِّع بعقله، ولم يُصِبْه ما يصيب غيره من الهَرَم والخوف. وختامًا: • مِن وصايا زين العابدين علي بن الحسين رضي الله عنه لولده: لا تصحبنَّ كذابًا؛ فإنه بمنزلة السراب؛ يُبعِد منك القريب، ويُقرِّب منك البعيد. جعلني الله وإياكم ممن يقول الله عز وجل فيهم: ? وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ ? [الأحزاب: 35]. |
02-01-2017, 02:45 PM | #2 |
مالك الموقع
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,555
|
__________________
لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين |
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 ) | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
يامنهج الصدق | اللحالي | شؤون الأعضاء | 1 | 08-11-2014 11:45 PM |