|
12-22-2014, 12:57 AM | #1 |
مالك الموقع
تاريخ التسجيل: May 2014
المشاركات: 6,563
|
عبد الله بن عبّاس
عبد الله بن عباس
{ إنه فتى الكهول , له لسان سؤول , وقلب عقول } - عمر بن خطاب هذا الصّحابيّ الجليل مَلَكَ المجد من أطرافه ، فما فاته منه شيء : فقد اجتمع له مجد الصُّحبة ، ولو تأخّر ميلاده قليلاً لما شَرُف بصُحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ومجد القرابة ، فهو ابن عمّ نبي الله صلوات الله وسلامه عليه . ومجد العِلم ، فهو حَبْرُ أمة محمد وبحر علمها الزّاخر .(حَبْرُ: العالم المتبحّر في العلم) ومجد التُّقى ، فقد كان صوّاماً بالنهار قوّاماً بالليل ، مُستغفراً بالأسحار ، بَكَّاءً من خشية الله حتّى خدّد(أي: حفَر) الدمع خدَّيه . إنّه عبد الله بن عبّاس ربَّانيُّ أمّة محمد (الرّبانيّ: العالم العارف بالله) ، وأعلمها بكتاب الله ، وأفقهها بتأويله ، وأقدرها على النفوذ إلى أغواره ، وإدراك مراميه وأسراره . وُلِد ابن عبّاس قبل الهجرة بثلاث سنوات ، ولمّا توفّي الرسول صلوات الله وسلامه عليه ، كان له ثلاث عشرة سنة فقط … ومع ذلك فقد حفظ للمسلمين عن نبيّهم ألفاً وستمائة وستّين حديثاً أثبتها البُخاريّ ومُسلم في صحيحهما . ولمّا وضعته أمُّه حملته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحنَّكه بريقه(حنّكه:دلّك حلقه بريقه قبل أن يرضع) ، فكان أول ما دخل جوفه ريق النبي المبارك الطّاهر ، ودخلت معه التقوى والحكمة … ((( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ))) : البقرة: 269 وما أن حلَّت عن الغلام الهاشميِّ تمائمه ، ودخل سنَّ التمييز (سن التمييز: هو سن السابعة، وقيل غير ذلك) حتّى لازم رسول الله صلى الله عليه وسلم مُلازمة العين لأختها … فكان يُعِدُّ له ماء وضوئه إذا همَّ أن يتوضَّأ … ويقف خلفه إذا وقف للصلاة … ويكون رديفه إذا عزم على السفر (رديف الرجل: من يركب خلفه) . حتّى غدا كظلّه يسير معه أنّى سار ، ويدور في فلكه كيفما دار . وهو في كل ذلك يحمل بين جنبيه قلباً واعياً ، وذهناً صافياً ، وحافظة دونها كل آلات التسجيل التي عرفها العصر الحديث . حدَّث عن نفسه قال : همَّ رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بالوضوء ذات مرّة ؛ فما أسرع أن أعددت له الماء ، فسُرَّ بما صنعت … ولمّا همَّ بالصلاة أشار إليَّ : أن أقف بإزائه(أي: بجنبه) ، فوقفت خلفه . فلمّا انتهتِ الصلاة مال عليَّ وقال : ((ما منعكَ أن تكون بإزائي يا عبد الله ؟!)) . فقلت : أنت أجلُّ في عيني وأعز من أن أوازيك يا رسول الله . فرفع يديه إلى السماء وقال : (( اللّهم آتِهِ الحِكمة )) . وقد استجاب الله دعوة نبيّه عليه الصلاة والسلام فآتى الغُلام الهاشميّ من الحكمة ما فاق به أساطين الحكماء (أساطين الحكماء: أكابر الحكماء والمتفرّدون منهم) . ولا ريب في أنّك تودُّ أن تقف على صورة من صور حكمة عبد الله بن عبّاس … فإليك هذا الموقف ، ففيه بعض ممّا تريد : لمّا اعتزل بعض أصحاب علي وخذلوه في نزاعه مع معاوية رضي الله عنهما ، قال عبد الله بن عبّاس لعلي رضي الله عنه : ائذن لي ، يا أمير المؤمنين ، أن آتي القوم وأكلّمهم . فقال : إنّي أتخوّف عليك منهم . فقال : كلا إن شاء الله . ثمّ دخل عليهم فلم يَرَ قوماً قطُّ أشدّ اجتهاداً منهم في العبادة . فقالوا : مرحباً بك يا بن عبّاس … ما جاء بِكَ ؟! فقال : جئت أحدّثكم . فقال بعضهم : لا تحدّثوه … وقال بعضهم : قُل نسمع منك . فقال : أخبروني ما تنقِمون على ابن عمّ رسول الله ، وزوج ابنته ، وأوّل من آمن به ؟! . قالوا : ننقم عليه ثلاث أمور . قال : وما هي ؟! . قالوا : أوّلها : أنّه حكَّم الرّجال في دين الله (يشيرون بذلك إلى قبول علي بأن يحكم بينه وبين معاوية كلّ من أبي موسى الأشعري وعمرو بن العاص) … وثانيهما : أنّه قاتل عائشة ومعاوية ولم يأخذ غنائم ولا سبايا … وثالثهما : أنّه محا عن نفسه لقب أمير المؤمنين مع أنّ المسلمين قد بايعوه وأمَّروه . فقال : أرأيتم إن أسمعتكم من كتاب الله ، وحدّثتكم من حديث رسول الله ما لا تنكرونه ، أفترجعون عمّا أنتم فيه ؟ . قالوا : نعم . قال : أمّا قولكم : إنّه حكَّم الرجال في دين الله ، فالله سبحانه وتعالى يقول : ((( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ ))) : المائدة: 95 وقد دأب ابن عبّاس على طلب العلم حتّى بلغ فيه مبلغاً أدهش الفُحول … فقال فيه مسروق بن الأجدع أحد كبار التّابعين ((التّابعين: هم الرعيل الأول بعد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد قسمهم علماء الحديث إلى طبقات ، أوّلهم من لحِق العشرة المبشّرين بالجنّة ، وآخرهم من لقي صغار الصحابة أو من تأخّرت وفاتهم)) : وما جلس إليه عالم قطُّ إلا خضع له … وما سأله سائل قطُّ إلا وجد عنده عِلماً . وقد غدا ابن عبّاس ، بفضل عِلمه وفقهه ، مستشاراً للخلافة الرّاشدة على الرّغم من حداثَةِ سِنِّه . فكان إذا عرض لعمر بن الخطّاب أمر أو واجهته مشكلة دعا جِلَّةَ الصحابة(أي: شيوخهم ومتقدّموهم) ودعا معهم عبد الله بن عبّاس ، فإذا حضرَ رفعَ منزِلته وأدنى مجلِسَهُ وقال له : لقد أعضل علينا أمر أنت له ولأمثالِهِ . وقد عُوتِب مرّة في تقديمه له وجعله مع الشّيوخ ، وهو ما زال فتى ، فقال : إنَّه فتى الكُهُول ، لهُ لِسانٌ سؤول وقلبٌ عقولٌ . على أنّ ابن عبّاس حين انصرف إلى الخاصَّة ليُعلِّمهم ويُفقِّههم ، لم ينسَ حقَّ العامّة عليه ، فكان يعقد لهم مجالس الوعظ والتّذكير . فمن مواعظه قوله مخاطباً أصحاب الذّنوب : يا صاحب الذّنب لا تأمن عاقبة ذنبك ، واعلم أنّ ما يتبع الذّنب أعظم من الذّنب نفسه . فإنّ عدم استِحيائك ممَّن على يمينك وعلى شمالك وأنت تقترف الذّنب لا يقلُّ عن الذّنب . وإنّ ضحكك عند الذّنب وأنت لا تدري ما الله صانع بكَ أعظم من الذّنب . وإنّ فرحك بالذّنب إذا ظفرت به أعظم من الذّنب . وإنّ حزنك على الذّنب إذا فاتك أعظم من الذّنب . وإنّ خوفك من الرّيح إذا حرّكت سِترَك ، وأنت ترتكب الذّنب مع كونك لا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذّنب . يا صاحب الذّنب : أتدري ما كان ذنب أيّوب عليه السلا م حين ابتلاه الله عزَّ وجلَّ بجسده وماله ؟… إنّما كان ذنبه أنَّه استعان بِهِ مسكين ليدفَعَ عنه الظُّلمَ فلم يُعِنهُ . ولم يكن ابن عبّاس من الذين يقولون ما لا يفعلون ، وينهون الناس ولا ينتهون ، وإنّما كان صوّام نهارٍ قوّامَ ليلٍ . أخبر عنه عبد الله بن مُليكة قال : صحِبت ابن عبّاس رضي الله عنه من مكّة إلى المدينة ، فكنّا إذا نزلنا منزلاً قام شطرَ اللّيل والناس نيام من شدّة التّعب . ولقد رأيته ذات ليلة يقرأ : ((( وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ ))) :ق:19 فظلَّ يُكرِّرها وينشِجُ حتّى طلع عليه الفجر .(ينشِج: يبكي بصوت عالٍ) . وحسبُنا بعد ذلك كلُّه أنّ عبد الله بن عبّاس كان من أجمل النّاس جمالاً ، وأصبحهم وجهاً ، فما زال يبكي في جوف اللّيل من خشية الله حتّى خدَّد الدَّمعُ الهَتُونُ(أي: المتصبِّب بغزارة) خدَّيهِ الأسِيلَينِ .(الأسِيلَينِ: المستويين النّاعِمَين) . وقد بلغ ابن عبّاس من مجد العلم غايته . ذلك أنّ خليفة المُسلمين معاوية بن أبي سفيان خرج ذات سنة حاجَّاً … وخرج عبد الله بن عبّاس أيضاً ، ولم يكن له صولة ولا إمارة . فكان لمعاوية موكب من رجال دولته ، وكان لعبد الله بن عبّاس موكب يفوق موكب الخليفة من طلاب العِلم . عُمِّر ابن عبّاس إحدى وسبعين سنة ملأ فيها الدُّنيا عِلماً وفهماً وحكمةً وتقىً . فلمّا أتاه اليقين(أي: الموت) صلَّى عليه محمد بن الحنفيّة . والبقيّة الباقية من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجِلَّةُ التّابعين … وفيما كانوا يوارونه ترابه ,سمعوا قارئاً يقرأ: [ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً]
__________________
لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين |
12-24-2014, 08:02 AM | #2 |
إدارة عامّة
تاريخ التسجيل: Jul 2014
المشاركات: 5,325
|
__________________
|
الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء : 0 , والزوار : 1 ) | |
أدوات الموضوع | |
انواع عرض الموضوع | |
|
|
المواضيع المتشابهه | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | آخر مشاركة |
جـلســـه يبغضهــا رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) | همس الآيام | هدي الحبيب | 2 | 08-25-2015 07:34 PM |