أيوب البلاجي
07-01-2015, 01:43 AM
http://s.alriyadh.com/2012/11/18/img/688042783915.jpg
سعود المطيري
تظل سنة 1367 ه إحدى السنوات التي علقت في أذهان النجديين طويلا حتى عدت في حساباتهم ضمن سنوات الكوارث المؤلمه التي لا تنسى وأطلقوا عليها سنة الذرة الحمراء نسبة إلى نوع من الذرة لونها أحمر ومن الأصناف التي جلبوها من جازان ومنطقة الجنوب واليمن، كانت هي الطعام الوحيد المتوفر في الأسواق ويصنعون منها بعد طحنها نوعا من الخبز الرديء منخفض القيمة الغذائية، ويجدون صعوبة بالغة في عجنه عند ما يتحول إلى كتل غير متجانسة أثناء العجن حتى أطلقوا في أمثالهم على الرجل متقلب المزاج الذي يصعب التعامل معه( عجينة ذرة) ومع ذلك يشترونها بقيمة مرتفعة ولا تتوفر في كل الاحوال .
ومع أنها من الاصناف التي اعتادوا شراءها علفا للمواشي خصوصا في المدن البعيدة عن المراعي،الا أنهم اضطروا تلك السنة إلى استخدامها طعاما بعد ما انقطع إمداد قوافل العراق والذي كان بالإضافة إلى تمر( صقعي) البصرة ..(تمّن) العراق وهو نوع من الأرز الذي يزرع على مياه شط العرب إضافة إلى القمح الخام والدقيق أحيانا .
ومع اننا لم نجد من يؤكد الاسباب الحقيقة التي أوقفت (المديد) أي القوافل تلك السنة والتي تسيّر ثم تعود من العراق بعد بضعة أشهر وهي محملة بالأرزاق وبقيمة مناسبة الا ان روايات غير مؤكدة ربطت الأسباب بحالة التوتر الذي حصل بالمنطقة على خلفية القضية الفلسطينية ونكبة 1948 م الذي يصادف ذلك التاريخ فيما تقول روايات أخرى انه بسبب جفاف ضرب العراق ومنابع دجلة والفرات تسبب في انخفاض منسوب شط العرب وانعكس ايضا على المحاصيل الزراعية .
الأزمة لم تستمر طويلا ولكن الشهور العصيبة التي مروا بها خصوصا في منطقة نجد تركت ذكرى أليمة لكل من عاشها وعانى مرارتها عند ما كان رب الأسرة يخرج على أنين أطفاله وأهل بيته جوعا إلى الأسواق فلا يجد من يبيعه الطعام، واصطدم الناس بل صدموا بسلوك بعض تجار الطعام في بعض الأماكن والذين فاقموا من حجم الأزمة بتعمدهم أخفاء السلع وتخزينها في المستودعات لزيادة الضغط على الناس حتى يتمكنوا من مضاعفة الأسعار بعد عدة أشهر وان كان هناك من يعتقد وهو اعتقاد ضعيف أن هذا التصرف هو نوع من السلوك الإنساني الا إرادي يظهر عادة مع الحروب والأزمات ويعرف بمرض أو حب(الاكتناز) فكان هؤلاء التجار رغم قلة ما لديهم هم الوجه القبيح في الأزمة. وفي ذلك دلالة على أن التجارة سلوك وأمانة وخوف من الله في أي زمان ومكان وأن تجار الأزمات موجودون حتى في زمن الطهر والمثاليات، ولكن الجميل وفقا لبعض الروايات أن الملك عبد العزيز طيب الله ثراه أغضبه هذا التصرف من التجار عند ما علم بالأمر ووجه فورا أمراء المقاطعات آنذاك بملاحقة كل من يثبت قيامه بتخزين وإخفاء السلع الاستهلاكية خصوصا الطعام بنية مضاعفة السعر واستغلال ظروف الناس حتى يحال إلى القضاء وينظر في أمر تأديبه وحبسه أو حتى منعه من البيع.
يقول الشيخ سعود العنزي ل (الرياض) كنت صغيرا تلك السنة وكنت مع والدي وأعمامي في البادية وقد تأخر نزول المطر وأجدبت الأرض فهلكت أكثر المواشي التي يقتات عليها الناس ويعتمدون عليها كمصدر رزق رئيسي وأصيب الباقي منها بالهزال والأمراض وكان لدينا راع سعودي وهو رجل في منتصف العمر عثر عليه والدي رحمهم الله جميعا في أحد الايام عاجزا عن النهوض بسبب الجوع وكان البيت يكاد يكون خاليا من الطعام ليس بسبب المال الذي كان موجودا لكنه بسبب اختفاء الطعام من الأسواق حتى ان الشخص يخرج بالمال فلا يجد من يبيعه،عند ذلك توجه والدي لإحدى القرى التي يوجد بها عدد من تجار القمح والتمور المعروفين.لكنه لم يجد من يبيعه رغم المعرفة التي تربطهم فكان كل واحد من هؤلاء يعتذر بأنه لم يعد لديه شيء وانه باع كل ما لديه من طعام،الا واحدا منهم سأله أولا : جئت فلان يقصد أحد التجار قال نعم ثم بدأ يعدد كل التجار الذين مر بهم واعتذروا، قال كلهم كذابون ومخازنهم ملأى بالأرزاق لكني أسأل الله العلي العظيم أن (يخلف ظنهم) قال هذه العبارة التي رددها أكثر من مرة ثم أخذه إلى مخزنه وباعه كل ما يحتاجه من الطعام. ويضيف الشيخ سعود: بأن الناس كانوا يطلقون على هذا النوع من التصرف ب ( القنوط ) فيقولون مثلا قنط التجار بمعنى أخفوا السلع بمخازنهم كنوع من الضغط النفسي على الناس حتى يفتحوا المخازن بعد أشهر ويبيعون بالسعر الذين يريدون بعد ما يختلقوا أزمة شبيهة بأزمات الشعير والاسمنت والحديد وبعض الأزمات المفتعلة التي مارسها تجارنا منذ فترة.
واستمرت هذه الأزمة عدة أشهر مع ما أصاب الناس من أمراض سوء التغذية ومرض الإسهال الذي كان بسبب استهلاك هذا النوع من الذرة. لكن الله عز وجل أجاب دعوة ذلك التاجر المؤمن على التجار الذي كان يعلم قيامهم بتخزين السلع تعمدا. عند ما تتابع هطول المطر واخضرت الأرض وعم الرخاء فاكتفى الناس بمنتجات مواشيهم. وأخلف الله ظن هؤلاء التجار بالفعل حتى اضطروا في نهاية الأمر إلى بيع تجارتهم من الطعام بربع القيمة أو أقل فخسروا الدنيا والآخرة، نسأل الله لهم العفو والصفح.
منقول من جريدة الرياض عددالأحد2012_11_18
سعود المطيري
تظل سنة 1367 ه إحدى السنوات التي علقت في أذهان النجديين طويلا حتى عدت في حساباتهم ضمن سنوات الكوارث المؤلمه التي لا تنسى وأطلقوا عليها سنة الذرة الحمراء نسبة إلى نوع من الذرة لونها أحمر ومن الأصناف التي جلبوها من جازان ومنطقة الجنوب واليمن، كانت هي الطعام الوحيد المتوفر في الأسواق ويصنعون منها بعد طحنها نوعا من الخبز الرديء منخفض القيمة الغذائية، ويجدون صعوبة بالغة في عجنه عند ما يتحول إلى كتل غير متجانسة أثناء العجن حتى أطلقوا في أمثالهم على الرجل متقلب المزاج الذي يصعب التعامل معه( عجينة ذرة) ومع ذلك يشترونها بقيمة مرتفعة ولا تتوفر في كل الاحوال .
ومع أنها من الاصناف التي اعتادوا شراءها علفا للمواشي خصوصا في المدن البعيدة عن المراعي،الا أنهم اضطروا تلك السنة إلى استخدامها طعاما بعد ما انقطع إمداد قوافل العراق والذي كان بالإضافة إلى تمر( صقعي) البصرة ..(تمّن) العراق وهو نوع من الأرز الذي يزرع على مياه شط العرب إضافة إلى القمح الخام والدقيق أحيانا .
ومع اننا لم نجد من يؤكد الاسباب الحقيقة التي أوقفت (المديد) أي القوافل تلك السنة والتي تسيّر ثم تعود من العراق بعد بضعة أشهر وهي محملة بالأرزاق وبقيمة مناسبة الا ان روايات غير مؤكدة ربطت الأسباب بحالة التوتر الذي حصل بالمنطقة على خلفية القضية الفلسطينية ونكبة 1948 م الذي يصادف ذلك التاريخ فيما تقول روايات أخرى انه بسبب جفاف ضرب العراق ومنابع دجلة والفرات تسبب في انخفاض منسوب شط العرب وانعكس ايضا على المحاصيل الزراعية .
الأزمة لم تستمر طويلا ولكن الشهور العصيبة التي مروا بها خصوصا في منطقة نجد تركت ذكرى أليمة لكل من عاشها وعانى مرارتها عند ما كان رب الأسرة يخرج على أنين أطفاله وأهل بيته جوعا إلى الأسواق فلا يجد من يبيعه الطعام، واصطدم الناس بل صدموا بسلوك بعض تجار الطعام في بعض الأماكن والذين فاقموا من حجم الأزمة بتعمدهم أخفاء السلع وتخزينها في المستودعات لزيادة الضغط على الناس حتى يتمكنوا من مضاعفة الأسعار بعد عدة أشهر وان كان هناك من يعتقد وهو اعتقاد ضعيف أن هذا التصرف هو نوع من السلوك الإنساني الا إرادي يظهر عادة مع الحروب والأزمات ويعرف بمرض أو حب(الاكتناز) فكان هؤلاء التجار رغم قلة ما لديهم هم الوجه القبيح في الأزمة. وفي ذلك دلالة على أن التجارة سلوك وأمانة وخوف من الله في أي زمان ومكان وأن تجار الأزمات موجودون حتى في زمن الطهر والمثاليات، ولكن الجميل وفقا لبعض الروايات أن الملك عبد العزيز طيب الله ثراه أغضبه هذا التصرف من التجار عند ما علم بالأمر ووجه فورا أمراء المقاطعات آنذاك بملاحقة كل من يثبت قيامه بتخزين وإخفاء السلع الاستهلاكية خصوصا الطعام بنية مضاعفة السعر واستغلال ظروف الناس حتى يحال إلى القضاء وينظر في أمر تأديبه وحبسه أو حتى منعه من البيع.
يقول الشيخ سعود العنزي ل (الرياض) كنت صغيرا تلك السنة وكنت مع والدي وأعمامي في البادية وقد تأخر نزول المطر وأجدبت الأرض فهلكت أكثر المواشي التي يقتات عليها الناس ويعتمدون عليها كمصدر رزق رئيسي وأصيب الباقي منها بالهزال والأمراض وكان لدينا راع سعودي وهو رجل في منتصف العمر عثر عليه والدي رحمهم الله جميعا في أحد الايام عاجزا عن النهوض بسبب الجوع وكان البيت يكاد يكون خاليا من الطعام ليس بسبب المال الذي كان موجودا لكنه بسبب اختفاء الطعام من الأسواق حتى ان الشخص يخرج بالمال فلا يجد من يبيعه،عند ذلك توجه والدي لإحدى القرى التي يوجد بها عدد من تجار القمح والتمور المعروفين.لكنه لم يجد من يبيعه رغم المعرفة التي تربطهم فكان كل واحد من هؤلاء يعتذر بأنه لم يعد لديه شيء وانه باع كل ما لديه من طعام،الا واحدا منهم سأله أولا : جئت فلان يقصد أحد التجار قال نعم ثم بدأ يعدد كل التجار الذين مر بهم واعتذروا، قال كلهم كذابون ومخازنهم ملأى بالأرزاق لكني أسأل الله العلي العظيم أن (يخلف ظنهم) قال هذه العبارة التي رددها أكثر من مرة ثم أخذه إلى مخزنه وباعه كل ما يحتاجه من الطعام. ويضيف الشيخ سعود: بأن الناس كانوا يطلقون على هذا النوع من التصرف ب ( القنوط ) فيقولون مثلا قنط التجار بمعنى أخفوا السلع بمخازنهم كنوع من الضغط النفسي على الناس حتى يفتحوا المخازن بعد أشهر ويبيعون بالسعر الذين يريدون بعد ما يختلقوا أزمة شبيهة بأزمات الشعير والاسمنت والحديد وبعض الأزمات المفتعلة التي مارسها تجارنا منذ فترة.
واستمرت هذه الأزمة عدة أشهر مع ما أصاب الناس من أمراض سوء التغذية ومرض الإسهال الذي كان بسبب استهلاك هذا النوع من الذرة. لكن الله عز وجل أجاب دعوة ذلك التاجر المؤمن على التجار الذي كان يعلم قيامهم بتخزين السلع تعمدا. عند ما تتابع هطول المطر واخضرت الأرض وعم الرخاء فاكتفى الناس بمنتجات مواشيهم. وأخلف الله ظن هؤلاء التجار بالفعل حتى اضطروا في نهاية الأمر إلى بيع تجارتهم من الطعام بربع القيمة أو أقل فخسروا الدنيا والآخرة، نسأل الله لهم العفو والصفح.
منقول من جريدة الرياض عددالأحد2012_11_18